مجازر الأرواح
شعر: مثنى ابراهيم دهام
ولـّـمـا دجـى لـيـلٌ و سـارتْ رواحـلُ
ولـفـّــتـنـيَ الـظـلـمـاء والـنجـمُ آفــلُ
مـشـيـتُ ولي عـقـلٌ يـضجُّ بـما بـهِ
ثـقـيـلٌ عـلى قـلبي وبالـدرب جاهلُ
تـعـثـّـرتُ في دنـيا من الهمِّ والأسى
ولـي خـافــقٌ مـمّـا يـعـانـيـه ذاهــلُ
وعـقـلٌ يرى الأشـياء مثـلَ نـقـيضها
فـهـذا الـدجى نورٌ وذا الحـقُّ بـاطـلُ
ولـولا وجـود العقـل ما شقيَ امرؤ ٌ
ولـولا أنـيـن الـقلـب ما هـانَ واجـلُ
فـؤادي تَـرفّـقْ إنـّـك الـيـومَ مُـتـعـبٌ
ولـلـهــمِّ والأحــزان فــيــك مــنـازلُ
لقد ضاقـتْ الدنـيا عـلـيك و أظلمتْ
وراعـــتـــكَ أهــوالٌ بــهـا وغــوائــلُ
فـخـذني إلى دنـيا ستمنـحك المدى
وروحـــاً عــلـى آفــاقــه يــتـمـايـــلُ
سأهربُ من يـومي وأرحلُ في غدي
إذا داعـبَـتْ كـأسَ الـضـيـاء الأنــامــلُ
شـربـتُ سنـاها إذ تـسابـق خـيـلها
بــأوردتـي مـســتـنـفـراتٌ صـواهــلُ
فـلـمـّـا بـلغـنَ العـقـلَ فـرَّ ولمْ يَـزَلْ
بـأدنـى زوايــا وعــيــهِ يــتـضـائــلُ
ولـمـّا بـلغـنَ الـقـلبَ فـاض حـنـيـنـهُ
وغـنـّـتْ لـه رغـمَ الـضجـيـج بـلابـلُ
وبـالـلـيـل في بـغـداد أبحرتُ بعـدما
رَوَتْ أرضيَ الجـدباء واخـضرَّ قـاحـلُ
نـظـرتُ إلـى الأشـيـاء حـتى رأيـتـها
تـراقـصُ فـاسـتـيـقـنـتُ أنـّـيَ ثـامـلُ
وأبصرتُ ما لا أبصَـرَتْ صحـوتي بـها
وأمـسـيـت عـن تـصخـابـها أتـسائـلُ
فما كـلُّ تصخابٍ على الدهر غالبٌ
ولا كــلُّ تـهـريـج ٍ إلـى الـجــدِّ آيــلُ
سئمتُ ظلامَ الدهر والظـلمَ والردى
وصخـبـاً به بـغـدادُ ضجـّـتْ وبـابـلُ
تـغـافـيـتُ في لـيل الضجيج لعلـّـني
سـأصحـو إذا ما بـانَ لـلـفجـر حـاملُ
ولـمْ تـكُ إلا غــفـوة ً مـسـتـفـيـقــة ً
بها عـصفـتْ ريـح الردى والقـنـابـلُ
سأغـفـو وتحييني من الموت صرخة ٌ
ويـدمي ضريـح الـروح قـومٌ أراذلُ
كـوابـيسهم تـتـرى فلا الـنوم سـانحٌ
ولا الصحو محـيـيني ولا الموت فاعلُ
كـرهـتــكِ يـا دنـيا فكـفـّي أو اذهـبي
لـتـذهـبَ عـنـّي لـلجـحـيـم الـمهـازلُ
دعـيـني وما جـدوى وجـودي بـذلـّـةٍ
وعـمـرٌ بـه عاث الـطغـاة الأسـافـلُ
زمـانٌ مـضى إذ كانت الـنفس حرَّة ً
لـهـا صـوت حــرٍّ بالـكـرامـة رافـلُ
إلى أن دجى ليلٌ على الـكون مطبقٌ
ودهــرٌ كــأنَّ الـنـاس فـيـه مـزابـلُ
يـدوّى دويّ الحرب فـيـه ولم يــزلْ
من الـدم فـيـه أو من الـمـوت وابـلُ
تـــدور رحـاهـا والـدمــاء ســوائـــلٌ
عـلى جـانـبـيـها والـنـفـوس رواحـلُ
تـمـزّقــت الأرواح واخـتـنـق الـسـنا
وهُــدَّتْ عـوالـيـها وشـيـدتْ معـاقـلُ
أمـجــزرة الأرواح مـا فـيــكِ عـاقــلٌ
وهـلْ عـادَ من هـول المـنـيّـةِ عـاقـلُ؟
سـنـينٌ مَضتْ والحرب تـلقي وبالها
وفي الأرض من وقـع المنـايا زلازلُ
سنينٌ مضت لم يبـرح اللـيل أرضنا؟
ولا غـرّدتْ فـوق الـغـصون البـلابـلُ
ولا أشـرقـتْ أنـوار حـقـل ٍ من الـندى
ولا رقـرقـتْ بـالـمـاء فـيـه الـجـداولُ
بـل الـلـيـلُ والآهـات والهـمُّ والأسى
ودمـعٌ عـلى مجـرى الـفراتيـن هاملُ
ظـلالُ الأ ُلى سـادوا تـسود كـأنـّـها
سـحـابـاتُ مـوتٍ بـالـدمـاء هـواطـلُ
بـلادي وإن طال الـظـلام وإن طـغى
فــلا تـيــأسي إنَّ الـمـدى يـتـكـامـلُ
طـغــاة ٌ لـهـم يـومٌ ولـلـشـعـب يـومه
ولـلـحــق قــولٌ ثــمَّ لـلـقـول فـاعـلُ
غـداً يـسـتـفـيـق الـدهـر نـاراً وجـنـة ً
وتـصـنـع فـجـر الإنـعـتـاق جـحـافــلُ
غـداً سـوف نحـياها ولابـدَّ من غـدٍ
تـُـضيء بـه لـيـلَ الـديـار المـشاعـلُ
ولابـدَّ أن تـنـهار أسـطـورة الـردى
وتـنـعـم بـالعـيـش الـكـريـم المنـازلُ
بريـق الـسـنـا آتٍ ولـلـفـجـر مـوعـدٌ
سيـأتي فـتـزهـو بالـضفـاف الـسنابـلُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق